فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: علم جميع ما غاب من ماض ومستقبل، إلا أن المستقبل لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله تعالى على علمه من أنبيائه، وأما الماضي فقد يعلمه المخلوقون من أحد الوجهين: إما من معاينة أو خبر، فإن كان الإِخبار عن مستقبل، فهو من آيات الله المعجزة، وإن كان عن ماض فإن علم به غير المخبر والمخبر لم يكن معجزًا، وإن لم يعلم به أحد وعلم به المخبِر وحده كان معجزًا، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب، لأنه لا يعلمه غير الله تعالى، وإن ما أخبر به من غيب فهو عن الله ووحيه.
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه يريد أنه لا يقدر على ما يعجز عنه العباد، وإن قدرت عليه الملائكة.
والثاني: أنه يريد بذلك أنه من جملة البشر وليس بمَلَك، لينفي عن نفسه غُلُوَّ النصارى في المسيح وقولهم: إنه ابن الله.
ثم في نفيه أن يكون ملكًا وجهان:
أحدهما: أنه بَيَّنَ بذلك فضل الملائكة على الأنبياء، لأنه دفع عن نفسه منزلة ليست له.
والثاني: أنه أراد إني لست ملكًا في السماء، فأعلم غيب السماء الذي تشاهده الملائكة ويغيب عن البشر، وإن كان الأنبياء أفضل من الملائكة مع غيبهم عما تشاهده الملائكة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ الله}.
هذا جواب لقولهم: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} فالمعنى ليس عندي خزائن قدرته فأنزل ما اقترحتموه من الآيات، ولا أعلم الغيب فأخبركم به.
والخزانة ما يُخزَن فيه الشيءُ؛ ومنه الحديث: «فإنما تَخزُن لهم ضروعُ مواشيهم أطعماتهم أيحب أحدكم أن توتى مَشْرَبته فتكسرِ خَزانتُه» وخزائن الله مقدوراته؛ أي لا أملك أن أفعل كل ما أُريد مما تقترحون {ولا أَعْلَمُ الغيب} أيضًا {ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} وكان القوم يتوهمون أن الملائكة أفضل، أي لست بملَك فأشاهد من أُمور الله ما لا يشهده البشر.
واستدل بهذا القائلون بأن الملائكة أفضل من الأنبياء.
وقد مضى في البقرة القول فيه فتأمّله هناك. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قل لا أقول لكم} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين لا أقول لكم {عندي خزائن الله} نزلت حين اقترحوا عليه الآيات فأمره الله تعالى أن يقول لهم إنما بعثت بشيرًا ونذيرًا ولا أقول لكم عندي خزائن الله جمع خزانة وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي والمعنى ليس عندي خزائن رزق الله فأعطيكم منها ما تريدون لأنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت رسولًا من الله فاطلب منه أن يوسع علينا عيشنا ويغني فقرنا فأخبر أن ذلك بيد الله لا بيدي {ولا أعلم الغيب} يعني فأخبركم بما مضى وما سيقع في المستقبل، وذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، فأجابهم بقوله: ولا أعلم الغيب فأخبركم بما تريدون {ولا أقول لكم إني ملك} وذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوج النساء؟ فأجابهم بقوله: ولا أقول لكم إني ملك لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه البشر ويشاهد ما لا يشاهدون فلست أقول شيئًا من ذلك ولا أدّعيه فتنكرون قولي وتجحدون أمري.
وإنما نفي عن نفسه الشريفة هذه الأشياء تواضعًا لله تعالى واعترافًا له بالعبودية وأن لا يقترحوا عليه الآيات العظام. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ} أيها الرسول البشير النذير للكفرة الذين يقترحون عليك ما يقترحون: {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ الله} أي مقدوراته جمع خزينة أو خزانة وهي في الأصل ما يحفظ فيه الأشياء النفيسة تجوز فيها عما ذكر، وعلى ذلك الجبائي وغيره، ولم يقل: لا أقدر على ما يقدر عليه الله قيل: لأنه أبلغ لدلالته على أنه لقوة قدرته كأن مقدوراته مخزونة حاضرة عنده، وقيل: إن الخزائن مجاز عن المرزوقات من إطلاق المحل على الحال أو اللازم على الملزوم؛ وقيل: الكلام على حذف مضاف أي خزائن رزق الله تعالى أو مقدوراته، والمعنى لا أدعي أن هاتيك الخزائن مفوضة إليَّ أتصرف فيها كيفما أشاء استقلالًا أو استدعاء حتى تقترحوا عليَّ تنزيل الآيات أو إنزال العذاب أو قلب الجبال ذهبًا أو غير ذلك مما لا يليق بشأني.
{وَلا أَعْلَمُ الغيب} عطف على محل {عِندِى خَزَائِنُ الله} فهو مقول {أَقُولُ} أيضًا، ونظر فيه الحلبي من حيث إنه يؤدي إلى أن يصير التقدير ولا أقول لكم لا أعلم الغيب وليس بصحيح.
وأجيب بأن التقدير ولا أقول لكم أعلم الغيب بإضماء القول بين {لا} و{أَعْلَمُ} لا بين الواو و{لا}، وقيل: (لا) في {لا أَعْلَمُ} مزيدة مؤكدة للنفي.
وقال أبو حيان: الظاهر أنه عطف على {لا أَقُولَ} لا معمول له فهو أمر أن يخبر عن نفسه بهذه الجمل (الثلاث) فهي معمولة للأمر الذي هو {قُلْ}، وتعقب بأنه لا فائدة في الإخبار بأني لا أعلم الغيب وإنما الفائدة في الإخبار بأني لا أقول ذلك ليكون نفيا لا دعاء الأمرين اللذين هما من خواص الإلهية ليكون المعنى إني لا أدعي الإلهية.
{وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ} ولا أدعي الملكية، ويكون تكرير {لا أَقُولَ} إشارة إلى هذا المعنى.
وقال بعض المحققين: إن مفهومي {عِندِى خَزَائِنُ الله}.
و{إِنّى مَلَكٌ} لما كان حالهما معلومًا عند الناس لم يكن حاجة إلى نفيهما وإنما الحاجة إلى نفي ادعائهما تبريًا عن دعوى الباطل، ومفهوم {أَنّى لاَ أَعْلَمُ الغيب} لما لم يكن معلومًا احتيج هنا إلى نفيه فدعوى أنه لا فائدة في الإخبار بذلك منظور فيها.
والذي اختاره مولانا شيخ الإسلام القول الأول وأن المعنى ولا أدعي أيضًا أني أعلم الغيب من أفعاله عز وجل حتى تسألوني عن وقت الساعة أو وقت إنزال العذاب أو نحوهما.
وخص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغيب بعاقبة ما يصيرون إليه أي لا أدعي ذلك ولا أدعي أيضًا الملكية حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر من الرقي في السماء ونحوه أو تعدوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحًا في أمري كما ينبئ عنه قولهم:
{مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الأسواق} [الفرقان: 7] وليس في الآية على هذا دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما هو محل النزاع كما زعم الجبائي لأنها إنما وردت ردًا على الكفار في قولهم: {مالِ هذَا الرَّسُولِ} إلخ وتكليفهم له عليهم الصلاة والسلام بنحو الرقي في السماء.
ونحن لا ندعي تميز الأنبياء على الملائكة عليهم الصلاة والسلام في عدم الأكل مثلا والقدرة على الأفاعيل الخارقة كالرقي ونحوه ولا مساواتهم لهم في ذلك بل كون الملائكة متميزين عليهم عليهم الصلاة والسلام في ذلك مما أجمع عليه الموافق والمخالف ولا يوجب ذلك اتفاقًا على أن الملائكة أفضل منهم بالمعنى المتنازع فيه وإلا لكان كثير من الحيوانات أفضل من الإنسان ولا يدعي ذلك الاجماد.
وهذا الجواب أظهر مما نقل عن القاضي زكريا من أن هذا القول منه صلى الله عليه وسلم من باب التواضع وإظهار العبودية نظير قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تفضلوني على ابن متى» في رأي بل هو ليس بشيء كما لا يخفى.
وقيل: إن الأفضلية مبنية على زعم المخاطبين وهو من ضيق العطن، وقيل: حيث كان معنى الآية لا أدعي الألوهية ولا الملكية لا يكون فيها ترق من الأدنى إلى الأعلى بل هي حينئذ ظاهرة في التدلي، وبذلك تهدم قاعدة استدلال الزمخشري في قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْدًا للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون} [النساء: 172] على تفضيل الملك على البشر إذ لا يتصور الترقي من الألوهية إلى ما هو أعلا منها إذ لا أعلا ليترقى إليه.
وتعقب بأنه لا هدم لها مع إعادة {لا أَقُولَ} الذي جعله أمرًا مستقلًا كالإضراب إذ المعنى لا أدعي الألوهية بل ولا الملكية، ولذا كرر {لا أَقُولَ}.
وقال بعضهم في التفرقة بين المقامين: إن مقام نفي الاستنكاف ينبغي فيه أن يكون المتأخر أعلا لئلا يلغو ذكره، ومقام نفي الادعاء بالعكس فإن من لا يتجاسر على دعوى الملكية أولى أن لا يتجاسر على دعوى الألوهية الأشد استبعادًا، نعم في كون المراد من الأول نفي دعوى الألوهية والتبري منها نظر وإلا لقيل لا أقول لكن إني إله كما قيل {وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ} وأيضًا في الكناية عن الألوهية بعندي خزائن الله ما لا يخفى من البشاعة، وإضافة الخزائن إليه تعالى منافية لها.
ودفع المنافاة بأن دعوى الألوهية ليس دعوى أن يكون هو الله تعالى بل أن يكون شريكًا له عز اسمه في الألوهية فيه نظر لأن إضافة الخزائن إليه تعالى اختصاصية فتنافي الشركة اللهم إلا أن يكون خزائن مثل خزائن أو تنسب إليه وهو كما ترى.
ومن هنا قال شيخ الإسلام: إن جعل ذلك تبريًا عن دعوى الألوهية مما لا وجه له قطعًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ}.
لمّا تقضّت المجادلة مع المشركين في إبطال شركهم ودحْض تعاليل إنكارهم نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم بأنَّهم لا يؤمنون بنبوءته إلاّ إذا جاء بآية على وفق هواهم، وأبطلت شبهتهم بقوله: {وما نرسل المرسلين إلاّ مبشِّرين ومنذرين} [الأنعام: 48] وكان محمد صلى الله عليه وسلم ممَّن شمله لفظ المرسلين، نقل الكلام إلى إبطال معاذيرهم فأعلمهم الله حقيقة الرسالة واقترانها بالآيات فبيّن لهم أنّ الرسول هو الذي يتحدّى الأمّة لأنّه خليفة عن الله في تبليغ مراده من خلقه، وليست الأمّة هي التي تتحدّى الرسول، فآية صدق الرسول تجيء على وفق دعواه الرسالة، فلو أدّعى أنّه مَلك أو أنّه بُعث لإنقاذ الناس من أرزاء الدنيا ولإدناء خيراتها إليهم لكان من عذرهم أن يسألوه آيات تؤيِّد ذلك، فأمّا والرسول مبعوث للهدى فآيته أن يكون ما جاء به هو الهدى وأن تكون معجزته هو ما قارن دعوته ممّا يعجز البشر عن الإتيان بمثله في زمنهم.
فقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله} استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من غرض إلى غرض.
وافتتاح الكلام بالأمر بالقول للاهتمام بإبلاغه، كما تقدّم عند قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} [الأنعام: 40].
وقد تكرّر الأمر بالقول من هنا إلى قوله: {لكلّ نبأ مستقرّ} [الأنعام: 67] اثنتي عشرة مرة.
والاقتصار على نفي ادّعاء هذه الثلاثة المذكورة في الآية ناظر إلى ما تقدّم ذكره من الآيات التي سألوها من قوله تعالى: {وقالوا لولا أنز ل عليه ملَك} [الأنعام: 8] وقوله: {ولو نَزّلنا عليك كتابًا في قرطاس} [الأنعام: 7] وقوله: {فإن استطعتَ أن تَبْتَغِي نَفَقًا في الأرض} [الأنعام: 35] الآية.
وافتتح الكلام بنفي القول ليدلّ على أنّ هذا القول لم يقترن بدعوى الرسالة فلا وجه لاقتراح تلك الأمور المنفي قولها على الرسول لأنّ المعجزة من شأنها أن تجيء على وفق دعوى الرسالة.
واللام في {لكم} لام التبليغ، وهي مفيدة تقوية فعل القول عندما لا تكون حاجة لذكر المواجَه بالقول كما هنا لظهور أنّ المواجَه بالقول هم المكذّبون، ولذلك ورد قوله تعالى: {ولا أقول إنِّي ملَك} [هود: 31] مجرّدًا عن لام التبليغ.
فإذا كان الغرض ذكر المواجَه بالقول فاللام حينئذٍ تسمَّى لام تعدَّية فعل القول فالذي اقتضى اجتلابَ هذه اللام هنا هو هذا القول بحيث لو قاله قائل لكان جديرًا بلام التبليغ.
والخزائن جمع خِزانة بكسر الخاء وهي البيت أو الصندوق الذي يحتوي ما تتوق إليه النفوس وما ينفع عند الشدّة والحاجة.
والمعنى أنّى ليس لي تصرّف مع الله ولا أدّعي أني خازن معلومات الله وأرزاقه.
و{خزائن الله} مستعارة لتعلّق قدرة الله بالإنعام وإعطاء الخيرات النافعة للناس في الدنيا.
شبّهت تلك التعلّقات الصّلُوحية والتنجيزية في حَجْبها عن عيون الناس وتناولهم مع نفعها إيّاهم، بخزائن أهل اليسار والثروة التي تجمع الأموال والأحبية والخلع والطعام، كما أطلق عليها ذلك في قوله تعالى: {ولله خزائن السماوات والأرض} [المنافقون: 7]، أي ما هو مودع في العوالم العليا والسفلى ممّا ينفع الناس، وكذلك قوله: {وإنْ من شيء إلاّ عندنا خَزائنه} [الحجر: 21].
وتقديم المسند وهو قوله: {عندي} للاهتمام به لما فيه من الغرابة والبشارة للمخبرين به لو كان يقوله.
وقوله: {ولا أعلم الغيب} عطف على {عندي خزائن الله} فهو في حيَّز القول المنفي.
وأعيد حرف النفي على طريقة عطف المنفيات بعضها على بعض فإنّ الغالب أن يعاد معها حرف النفي للتنصيص على أنّ تلك المتعاطفات جميعها مقصودة بالنفي بآحادها لئلاّ يتوهّم أنّ المنفي مجموع الأمرين.
والمعنى لا أقول أعلم الغيب، أي علمًا مستمرًا ملازمًا لصفة الرسالة.
فأمّا إخباره عن بعض المغيّبات فذلك عند إرادة الله إطلاعه عليه بوحي خاصّ، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلاّ من ارتضى من رسول} [الجن: 26، 27] وهو داخل تحت قوله: {إنْ أتّبع إلاّ ما يوحي إلي}.
وعطف: {ولا أقول لكم إنِّي ملك} على {لا أقول لكم عندي خزائن الله} بإظهار فعل القول فيه، خلافًا لقوله: {ولا أعلم الغيب} لعلَّه لدفع ثقل التقاء حرفين: (لا) وحرف (إنّ) الذي اقتضاه مقام التأكيد، لأنّ إدّعاء مثله من شأنه أن يؤكّد، أي لم أدّع أنِّي من الملائكة فتقولوا: {لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8]، فنفي كونه ملكًا جواب عن مقترحهم أن ينزَل عليهم ملك أو أن يكون معه ملك نذيرًا.
والمقصود نفي أن يكون الرسول من جنس الملائكة حتى يكون مقارنًا لمَلك آخر مقارنة تلازم كشأن أفراد الجنس الواحد.
وكانوا يتوهَّمون أنّ الرسالة تقتضي أن يكون الرسول من غير جنس البشر فلذلك قالوا: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7].
فالمعنى نفي ماهية المَلَكية عنه لأنّ لجنس الملك خصائص أخرى مغايرة لخصائص البشر.
وهذا كما يقول القائل لمن يكلِّفه عنتًا: إنِّي لست من حديد.
ومن تلفيق الاستدلال أن يستدلّ الجُبائي بهذه الآية على تأييد قول أصحابه المعتزلة بتفضيل الملائكة على الأنبياء مع بُعد ذلك عن مهيع الآية.
وقد تابعه الزمخشري، وكذلك دأبه كثيرًا ما يُرْغِم معاني القرآن على مسايرة مذهبه فتنزو عصبيته وتَنْزوي عبقريته، وهذه مسألة سنتكلَّم عليها في مظنَّتها. اهـ.